سورة الكهف - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)}
يقول تعالى مخبرًا عما يُخاطب به المشركين يوم القيامة على رؤوس الأشهاد تقريعًا لهم وتوبيخًا: {نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} أي: في دار الدنيا، ادعوهم اليوم، ينقذونكم مما أنتم فيه، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94].
وقوله: {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} كما قال: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} [القصص: 64]، وقال {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6]، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 82، 81]
وقوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} قال ابن عباس، وقتادة وغير واحد: مَهْلكًا.
وقال قتادة: ذكر لنا أن عمرا البكالي حدث عن عبد الله بن عمرو قال: هو واد عميق، فُرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة.
وقال قتادة: {مَوْبِقًا} واديًا في جهنم.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سِنان القزاز، حدثنا عبد الصمد، حدثنا يزيد بن درهم سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} قال: واد في جهنم، من قيح ودم.
وقال الحسن البصري: {مَوْبِقًا}: عداوة.
والظاهر من السياق هاهنا: أنه المهلك، ويجوز أن يكون واديًا في جهنم أو غيره، إلا أن الله تعالى أخبر أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين، ولا وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا، وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة، فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الآخر، بل بينهما مهلك وهول عظيم وأمر كبير.
وأما إن جعل الضمير في قوله: {بَيْنَهُمْ} عائدًا إلى المؤمنين والكافرين، كما قال عبد الله بن عمرو: إنه يفرق بين أهل الهدى والضلالة به، فهو كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14]، وقال {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43]، وقال تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 59]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس: 28- 30].
وقوله: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} أي: إنهم لما عاينوا جهنم حين جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فإذا رأى المجرمون النار، تحققوا لا محالة أنهم مواقعوها، ليكون ذلك من باب تعجيل الهم والحزن لهم، فإن توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه، عذاب ناجز.
{وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} أي: ليس لهم طريق يعدل بهم عنها ولا بد لهم منها.
قال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن دَرّاج عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الكافر يرى جهنم، فيظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة».
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة، كما لم يعمل في الدنيا، وإن الكافر ليرى جهنم، ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة».


{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا (54)}.
يقول تعالى: ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم الأمور، وفصلناها، كيلا يضلوا عن الحق، ويخرجوا عن طريق الهدى. ومع هذا البيان وهذا الفرقان، الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني علي بن الحسين، أن حسين بن علي أخبره، أن علي بن أبي طالب أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقال: «ألا تصليان؟» فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بَعَثنا. فانصرف حين قلت ذلك، ولم يَرْجع إلي شيئًا، ثم سمعته وهو مولّ يضرب فخذه ويقول {وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} أخرجاه في الصحيحين.


{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)}.
يخبر تعالى عن تمرد الكفرة في قديم الزمان وحديثه، وتكذيبهم بالحق البين الظاهر مع ما يشاهدون من الآيات والآثار والدلالات الواضحات، وأنه ما منعهم من اتباع ذلك إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عيانًا، كما قال أولئك لنبيهم: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 187]، وآخرون قالوا: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت: 29]، وقالت قريش: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]، {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الحجر: 7، 6] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك.
ثم قال: {إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ} من غشيانهم بالعذاب وأخذهم عن آخرهم، {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا} أي: يرونه عيانًا مواجهة ومقابلة، ثم قال: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} أي: قبل العذاب مبشرين من صدقهم وآمن بهم، ومنذرين مَنْ كذبهم وخالفهم.
ثم أخبر عن الكفار بأنهم يجادلون بالباطل {لِيُدْحِضُوا بِهِ} أي: ليضعفوا به {الْحَقَّ} الذي جاءتهم به الرسل، وليس ذلك بحاصل لهم. {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} أي: اتخذوا الحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب {هُزُوًا} أي: سخروا منهم في ذلك، وهو أشد التكذيب.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11